سورة الفرقان - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (32)}
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} حكاية لنوع آخر من أباطيلهم، والمراد بهم المشركون كما صح عن ابن عباس وهم القائلون أولًا، والتعبير عنهم بعنوان الكفر لذمهم به والاشعار بعلة الحكم، وقيل: المراد بهم طائفة من اليهود {لَوْلاَ نُزّلَ عَلَيْهِ القرءان} أي أنزل عليه كخبر عنى أخبر فلا قصد فيه إلى التدريج لمكان {جُمْلَةً واحدة} فإه لو قصد ذلك اتدافعا إذ يكون المعنى لولا فرق القرآن جملة واحدة والتفريق ينافي الجملية، وقيل: عبر بذلك للدلالة على كثرة المنزل في نفسه، ونصب {جمالة} على الحال و{واحدة} على أنه صفة مؤكدة له أي هلا أنزل القرآن عليه عليه الصلاة والسلام دفعة غير مفرق كما أنزلت التوراة والإنجيل والزبور على ما تدل عليه الأحاديث والآثار حتى كاد يكون إجماعًا كما قال السيوطي ورد على من أنكر ذلك من فضلاء عصر، فقول ابن الكمال إن التوراة أنزلت منجمة في ثماني عشرة سنة ويدل عليه نصوص التوراة ولا قاطع بخلافه من الكتاب والسنة ناشيء من نقصان الإطلاع.
وهذا الاعتراض مما لا طائل تحته لأن الإعجاز مما لا يختلف بنزوله جملة أو مفرقًا مع أن للتفويق فوائد، منها ما ذكره الله تعالى بعد، وقيل: إن شاهد صحة القرآن إعجازه وذلك ببلاغته وهي طابقته لمقتضى الحال في كل جملة منه ولا يتيسر ذلك في نزوله دفعة واحدة فلا يقاس بسائر الكتب فإن شاهد صحتها ليس الإعجاز.
وفيه أن قوله: ولا يتيسر إلخ ممنوع فإنه يجوز أن ينزل دفعة واحدة مع رعاية المطابقة المذكورة في كل جملة لما يتجدد من الحوادث الموافقة لها الدالة على أحكامها. وقد صح أنه نزل كذلك إلى السماء الدنيا فلو لم يكن هذا لزم كونه غير معجز فيها ولا قائل به بل قد يقال إن هذا أقوى في إعجازه والبليغ يفهم من سياق الكلام ما يقتضيه المقام فافهم {كَذَلِكَ لِنُثَبّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} استئناف وارد من جهته تعالى لرد مقالتهم الباطلة وبيان بعضن الحكم في تنزيله تدريجًا، ومحل الكاف نصب على أنها صفة لمصدر مؤكد لمضمر معلل بما بعده، وجوز نصبها على الحالية، {وَذَلِكَ} إشارة إلى ما يفهم من كلامهم أي تنزيلًا مثل ذلك التنزيل الذي قدحوا فيه واقترحوا خلافه نزلناه ولا تنزيلًا مغايرًا له أو نزلناه مماثلًا لذلك التنزيل لنقوى به فؤادك فإن في تنزيله مفرقًا تيسيرًا لحفظ النظم وفهم المعاني وضبط الكلام والوقوف على تفاصيل ما روعي فيه من الحكم والمصالح وتعدد نزول جبريل عليه السلام وتجدد إعجاز الطاعنين فيه في كل جملة مقدار أقصر سورة تنزل منه، ولذلك فوائد غير ما ذكر أيضًا، منها معرفة الناسخ المتأخر نزوله من المنسوخ المتقدم نزوله المخالف لحكمه ومنها انضمام القرائن الحالية إلى الدلالات اللفظية فإنه يعين على معرفة البلاغة لأنه بالنظر إلى الحال يتنبه السامع لما يطابقها ويوافقها إلى غير ذلك، وقيل: قوله تعالى: {كذلك} من تمام كلام الكفرة والكاف نصب على الحال من القرآن أو الصفة لمصدر نزل المذكور أو لجملة، والإشارة إلى تنزيل الكتب المتقدمة، ولام «لنثبت» لام التعليل والمعلل محذوف نحو ما سمعت أولا أي نزلناه مفرقًا لنثبت الخ، وقال أبو حاتم: هي لام القسم، والتقدير والله لتثبتن فحذف النون وكسرت اللام وقد حكى ذلك عنه أبو حيان.
والظاهر أنها عنده كذلك على القولين في {كذلك}. وتعقبه بأنه قول غاية الضعف وكأنه ينحو إلى مذهب الأخفش إن جواب القسم يتلقى بلام كي وجعل منه {ولتصغى إليه أفئدة} [الأنعام: 113] إلخ وهو مذهب مرجوح. وقرأ عبد الله «ليثبت» بالياء أي ليثبت الله تعالى.
وقوله تعالى: {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} عطف على الفعل المحذوف المعلل بما ذكر، وتنكير «ترتيلًا» للتفخيم أي كذلك نزلناه ورتلناه ترتيلًا بديعًا لا يقادر قدره، وترتيله تفريقه آية بعد آية قاله النخعي. والحسن. وقتادة.
وقال ابن عباس: بيناه بيانًا فيه ترسل، وقال السدى: فصلناه تفصيلًا، وقال مجاهد: جعلنا بعضه إثر بعض، وقيل: هو الأمر بترتيل قراءته بقوله تعالى: {وَرَتّلِ القرءان تَرْتِيلًا} [المزمل: 4] وقيل: قرأناه عليك بلسان جبريل عليه السلام شيئًا فشيئًا في عشرين أو في ثلاث وعشرين سنة على تؤدة وتمهل وهو مأخوذ من قولهم: ثغر مرتل أي مفلج الأسنان غير متلاصقها.


{وَلَا يَأْتُونَكَ ثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا (33)}
{وَلاَ يَأْتُونَكَ ثَلٍ} من الأمثال التي من جملتها اقتراحاتهم القبيحة الخارجة عن دائرة العقول الجارية لذلك مجرى الأمثال أي لا يأتونك بكلام عجيب هو مثل في البطلان يريدون به القدح في نبوتك ويظهرونه لك {إِلاَّ جئناك} في مقابلته {بالحق} أي بالجواب الحق الثابت الذي ينحى عليه بالإبطال ويحس مادة القيل والقال كما مر من الأجوبة الحقة القالعة لعروق أسئلتهم الشنيعة الدامغة لها بالكلية، وقوله تعالى: {وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا} عطف على {الحق} أي جئناك بأحسن تفسيرًا أي بما هو أحسن أو على محل {بالحق} أي استحضرنا لك وأنزلنا عليك الحق وأحسن تفسيرًا أي كشفا وبيانا على معنى أنه في غاية ما يكون من الحسن في حد ذاته لا أن ما يأتون به له حسن في الجملة وهذا أحسن منه، وهذا نظير قولهم: الله تعالى أكبر أي لع غاية الكبرياء في حد ذاته وبعضهم قدر مفضلًا عليه فقال: أي وأحسن تفسيرًا من مثلهم وحسنه على زعمهم أو هو تهكم، وتعقب الأول بأنه يفوت عليه معنى التسلية لأن المراد لا يهلك ما اقترحوه من قولهم: {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ القرءان جُمْلَةً} [الفرقان: 32] فإن تنزيله مفرقًا أحسن مما اقترحوه لفوائد شتى وفيه منع ظاهر، وقيل: المراد بالتفسير المعنى، والمراد وأحسن معنى لأنه يقال: تفسير كذا كذا أي معناه فهو مصدر عنى المفعول لأن المعنى مفسر كدرهم ضرب الأمير، ورد بأن المفسر اسم مفعول هو الكلام لا المعنى لأنه يقال فسرت الكلام لا معناه.
وقال الطيبي: وضع التفسير موضع المعنى من وضع السبب موضع المسبب لأن التفسير سبب لظهور المعنى وكشفه، وقيل عليه: إنه فرق بين المعنى وظهوره فلا يتم التقريب وقد يكتفي بسببيته له في الجملة.
وأيًا ما كان فهو نصب على التمييز والاستثناء مفرع من أعم الأحوال فالجملة في محل النصب على الحالية أي لا يأتونك ثل في حال من الأحوال أي آلا حال إنزالنا عليك واستحضارنا لك الحق وأحسن تفسيراف، وجعل ذلك مقارنًا لاتيانهم وإن كان بعده للدلالة على المسارعة إلى إبطال ما أتوا به تثبيتًا لفؤاده صلى الله عليه وسلم، وجوز أن يكون المثل عبارة عن الصفة الغريبة التي كانوا يقترحون كونه عليه الصلاة والسلام عليها من الاستغناء عن الأكل والشرب وحيازة الكنز والجنة ونزول القرآن عليه جملة واحدة على معنى لا يأتوك بحالة عجيبة يقترحون اتصافك بها قائلين هلا كان على هذه الحالة إلا أعطيناك نحن من الأحوال الممكنة ما يحق لك في حكمتنا ومشيئتنا أن تعطاه وما هو أحسن، وتعقب بأنه يأباه الاستثناء المذكور فإن المتبادر منه أن يكون ما أعطاه الله تعالى من الحق مترتبًا على ما أتوا به من الأباطيل دامغًا لها ولا ريب في أن ما أتاه الله تعالى من الملكات السنية الطائفة بالرسالة قد أتاه من أول الأمر لا قابلة ما حكى عنهم من الاقتراحات لأجل دمغها، وإبطالها.
وأجيب بأن معنى {إِلاَّ جئناك} إلخ على ذلك إلا أظهرنا فيك ما يكشف عن بطلان ما أتوا به وهو كما ترى فالحق التعويل على الأول. والمشهور أن الاتيان والمجيء عنى لكن عبر أولا بالاتيان، وثانيًا بالمجيء للتفنن وكراهة أن يتحد ما ينسب إليه عز وجل وما ينسب إليهم لفظًا مع كون ما أتوا به في غاية القبح والبطلان وما جاء به سبحانه في غاية الحقية والحسن، وفرق الراغب بينهما فقال المجيء كالاتيان لكن المجيء أعم لأن الإتيان مجيء بسهولة، ومنه قيل للسيل المار على وجهه أتى وأتاوى، والاتيان قد يقال باعتبار القصد وإن لم يكن منه الحصول والمجيء يقال اعتبارًا بالحصول، ولعل في التعبير الإتيان أولًا والمجيء ثانيًا على هذا إشارة إلى أن ما يأتون به من الأمثال في نفسه من الأمور التي تتخيل بسهولة ولا تحتاج إلى إعمال فكر بخلاف ما يكون في مقابلته فإنه في نفسه من الأمور العقلية التي صقلها الفكر فلا يجد أحد سبيلًا إلى ردها والطعن فيها أو إلى أن فعلهم لخروجه عن حيز القبول منزل منزلة العدم حتى كأنهم لم يتحقق منهم القصد دون الحصول بخلاف ما كان من قبله عز وجل فتأمل والله تعالى أعلم بأسرار كتابه.


{الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا (34)}
{الذين يُحْشَرُونَ على وُجُوهِهِمْ إلى جَهَنَّمَ} أي يحشرون ماشين على وجوههم. فقد روى الترمذي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يحشر الناس يوم القيامة ثلاثة أصناف. صنفًا مشاة. وصنفًا ركبانا. وصنفًا على وجوههم قيل يا رسول الله وكيف يمشون على وجوههم؟ قال إن الذي أمشاهم على أقدامهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم أما أنهم يتقون بوجوههم كل حدث وشوك» وهذا يحتمل أن يكون س وجوههم وسائر ما في جهتها من صدورهم وبطونهم ونحوها الأرض وأن يكون بنسكهم على رؤسهم، وجعل وجوههم إلى ما يلي الأرض وارتفاع أقدامهم وسائر أبدانهم، ولعل الحديث أظهر في الأول، وقيل: إن الملائكة عليهم السلام تسحبهم وتجرهم على وجوههم إلى جهنم والأمر عليه ظاهر لا غرابة فيه، وقيل: الحشر على الوجه مجاز عن الذلة المفرطة والخزي والهوان، وقيل: هو من قول العرب مر فلان على وجهه إذا لم يدر أين ذهب، وقيل: الكلام كناية أو استعارة تمثيلية والمراد أنهم يحشرون متعلقة قلوبهم بالسفليات من الدنيا وزخارفها متوجهة وجوههم إليها، ولعل كون هذه الحال في الحشر باعتبار بقاء آثارها والأفهم هناك في شغل شاغل عن التوجه إلى الدنيا وزخارفها وتعلق قلوبهم بها، ومحل الموصول قيل إما النصب بتقدير أذم أو أعني أو الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هم الذين أو على أنه مبتدأ، وقوله تعالى: {أولئك} بدل منه أو بيان له، وقوله تعالى: {شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا} خبر له أو اسم الإشارة مبتدأ ثان {وشر} خبره، والجملة خبر الموصول، وقال «صاحب الفرائد»: يمكن أن يكون الموصول بدلًا من الضمير في {يأتونك} [الفرقان: 33] و{أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا} كلام مستأنف، ولعل الأقرب كون الموصول مبتدأ وما بعده خبره قال الطيبي: وذلك من باب كلام المنصف وإرخاء العنان. وفصل {الذين يُحْشَرُونَ} عما قبله استئنافًا لأن التسلية السابقة حركت منه صلى الله عليه وسلم بأن يسأل فإذا اذا أجيبهم وما يكون قولي لهم؟ فقيل قل لهم الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم إلخ يعني مقصودكم من هذا التعنت تحقير مكاني وتضليل سبيلي وما أقول لكم أنتم كذلك بل أقوال الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم شر مكانًا وأضل سبيلًا فانظروا بعين الإنصاف وتفكروا من الذي هو أولى بهذا الوصف منا ومنكم لتعلموا أن مكانكم شر من مكاننا وسبيلكم أضل من سبيلنا. وعليه قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِى ضلال مُّبِينٍ} [سبأ: 24] فالمكان الشرف والمنزلة. ويجوز أن يراد به الدار والمسكن. {لَّهُمْ وَأَضَلَّ} محمولان على التفضيل على طريقة قوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرّ مّن ذلك مَثُوبَةً عِندَ الله مَن لَّعَنَهُ الله وَغَضِبَ عَلَيْهِ} [المائدة: 60] وجعل «صاحب الفرائد» ذلك لإثبات كل الشر لمكانهم وكل الضلال لسبيلهم. ووصف السبيل بالضلال من باب الإسناد المجازي للمبالغة والآية على ما سمعت متصلة بما قبلها من قوله تعالى: {وَلاَ يَأْتُونَكَ} [الفرقان: 33] إلخ وقال الكرماني هي متصلة بقوله تعالى: {أصحاب الجنة يومئذ} [الفرقان: 24] الآية {قِيلَ} ويجوز أن تكون متصلة بقوله سبحانه: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلّ نَبِىّ عَدُوًّا مّنَ المجرمين} [الفرقان: 31] انتهى. وما ذكر أولًا أبعد مغزى، وقوله تعالى:

7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14